بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية سنة 1915، عقدت ظهر اليوم بطريركية الأرمن الكاثوليك ممثلة بالمونسنيور جورج يغيايان، والدكتور هوفانيس طاسلاكيان، في المركز الكاثوليكي للإعلام، مؤتمراً صحافياً، تحدثا فيه عن هذه الذكرى وعن المحطات التي ستقام لها.
ترأس المؤتمر رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيه مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور لفيف من كهنة الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية وإعلاميين ومهتمين.
بداية رحب المطران بولس بالمطر بالحضور وقال:
“في مناسبة ذكرى شهداء الأرمن ومرور مئة سنة على شهادة شهداء الأرمن 1915ننحني إجلالً لذكرى هؤلاء الشهداء الأبرياء الذي وصل عددهم إلى ما يقارب مليون ونصف إنسان وننحني إجلالاً للشعب الأرمني ا هؤلاء الذي حمل هذه المأساة بقلبه ولكن لم يستلم لها بل بقي مناضلاً ، قسم منه صار لبنانياً، وهم أهل وفاء ومحبة وتوكل على الله وعلىالذات.”
تابع “مرت ظروف صعبة على منطقتنا في الشرق الاوسط والأرمن لم يكونوا وحدهم ضحية سياسة لا إنسانية على يد تركيا الفتاة في عام 1914- و1916و1918 ، جبل لبنان أخضع للحصار وثلث شعبنا مات جوعاً لأن الطحين منع عن أباءنا وأجدادنا”، في شرق تركيا مناطق مسيحية كاملة افرغت من أهلها السريان والأشوريين والأرمن وهذا أمر ايضا نذكره اليوم بصلاتنا وبقلبنا وما زالت هذه الأمور تتعثر إلى اليوم مع الأسف.”
أضاف “نذكر في هذه المناسبة السريان والكلدان الذين هجّروا قسراً من سهل سها لنينوى والموصل على يد أناس لا علاقة لهم بمع الدين لا الإسلام وغيره والأيزيديين باسم ايديولوجيات عربية لا علاقة لها بالإنسانية. في هذه المناسبة نضرع إلى الله أن تمر هذه الغيوم كلها وهي ايضاً مرت على اوروبا عندما اضطهد اليهود وغيرهم في ألمانية لذلك فهذه الجرائم ليست محصورة لا بدين ولا بشعب هي خاصة أناس يضيعون قلوبها وأديانهام ويتحجرون وينكرون الأخوةَ على الإخوة.”
ختم المطران مطر “نضرع إلى الله أن تتغير هذها لأمور ويعودوا الناس متصافين كما خلقهم الله ،نحن نؤمن بالفداء ربنا افتدى الإنسانية لتعود إلى إنسانيتها، ولذلك نحن أهل الغفران بصورة أولى لأن الربّ غفور ورحيم. وبالرغم من إبادة الأرمن، الأشوريين، السريان والموارنة، كل هذه الكنائس ما زالت في الشرق، قرارانا أن نبقى وبدنا ممدوة نطالب بمصير مشترك وبالمساواة، والحرية الدينية، هذه القيم نرجو ان تغير كل الشرق وأن يكون لنا شرق متصالح لان اللاإنسانية قد تضرب المسيحيين المضطهدين ولكن قد تضرب الأخرين ايضاً، لذلك نحن مع المصالحة واعادة الحقوق إلى نصابها والعيش المشترك أينما كنا هذا مطلبنا نريد شرقاً واحداً حيث الناس يعييشون كلهم أخوة ويقبلون بعضهم البعض.”
كلمة المطران المونسنيور جورج يغيايان جاء فيها:
انها الابادة، إبادة شعب ، وإبادة أمة، وإبادة حضارة، هذه هي الابادة الأرمنية في مختصر معانيها، والتي تتالت فصولها المشؤومة عام 1915، وما زالت مستمرة في الوجدان الأرمني، تتفجر غضباً وتتعالى صراخاً مع صاحب المزامير: الى متى؟ “الى متى الأشرار يمرحون؟ ويتآمرون مع كل من يفعل الاثم، يثرثرون ويتكلمون بوقاحة، يقتلون الأرملة والغريب، ويحطمون اليتيم فيما بيننا” (مز 92،28)
الى متى سيتغافل العالم، وتتغافل الدول والحكومات عن تلك المأساة الجهنمية، والمجازر الهمجية، والابادة العرقية، التي ذهب ضحيتَها مليونٌ ونصفُ المليون من ابناء الشعب الأرمني؟ ذبحوا، ونحروا في عقر دارهم وفي ساحات مدنهم وقراهم؟وهجروا قوافل قوافل الى عمق الصحارى السورية ، حيث يسكن الموت، كما اليوم، في هول وديان دير الزور، الساكنة السحيقة، وعلى صفحات الرمال الحارقة، وعلى ضفاف نهر الفرات الدامية الحزينة.
نعم، لاحياء ذكرى مئوية الابادة، أردنا هذا اللقاء بدعوة من البطريركية الأرمنية الكاتوليكية.
لنعلن من على هذا المنبر الاعلامي الكنسي الكاثوليكي الحر؛ لنعلن من لبنان، الوطن الغالي، الذي احتضننا، نحن الأرمن، واحتضن من بعدنا شعوباً منكوبة مستضعفة من فلسطينية وعراقية وسورية؛ لنعلن ولاءنا المطلق، وحبنا وتعلقنا بلبنان وترابه وارزه الخالد كخلود جبل ارارات؛ ولنعلن للعالم بأسره هول المأساة-الإبادة منادين ومطالبين بحقوقنا المشروعة، المغتصبة حتى اليوم، من تركيا وحكوماتها المتعاقبة، تركيا الناكرةِ جريمتَها.
تركيا مزوّرة التاريخ، ومخّدرة ضمائر مواطنيها، وضمائر الشعوب والدول والحكومات اللاهثة وراء مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والمالية والاستراتيجية.
نحن اليوم، في ذكرى المئوية هذه، قررنا وصممنا، كما في الماضي، وفي كل يوم ان لا نسكت بل أن نطالب. نطالب بالاعتراف أولاً ونطالب بالتعويض ثانياً.
1) اعتراف من قبل الحكومة التركية، بالجريمة- الابادة التي ارتكبها حكام “تركيا الفتاة” أنور وطلعت وجمال، وذلك رحمة لارواح الشهداء الابرار، المليون ونصف المليون، ورحمة للانسانية جمعاء التي ما زالت تتعرض لابادات وابادات هتلرية نازية كانت أم اسرائيلية صهيونية أم داعشية تكفيرية.
2) وتعويض عن تلك القصور والاديرة والكنائس والمدارس، والنوادي الثقافية والصروح الحضارية والممتلكات والعقارات الأر
منية، التي تحولت، ويا لَلأَسف، في زمن التوحش والبربرية والهمجية والارهاب، مزاربَ للحيوانات، وثكنات عسكرية ودوائرحكومية، وانتهكت حرمتها وقدسيتها ودمرت وتبعثرت اكواماً اكواماً من الحجارة والغبار.
هذا ما يُثقّل ضمائرنا، نحن الأرمن، في أرمينيا الوطن الأم وفي لبنان، وبلاد الانتشار.
هذا، ما يقضّ مضاجعنا، ليل نهار، لاسترجاع الحقوق المغتصبة من مجرمي الدين والدنيا.
من أجل هذا، أرادت بطريركية الأرمن الكاتوليك في لبنان، في مطلع المئوية على الابادة، ان تحيي هذه الذكرى مستنهضة الضمائر، ضمائر اصحاب الإرادات الصالحة والمنظمات الدولية، وضمائرالحكومات الأقليمية والدولية، حسب البرنامج، الذي ندعوكم للاشتراك في مراحله، اسهاماً منكم، ايها السيدات والسادة، لتبقى شمس العدالة والكلمة الحرة المسؤولة في لبنان منارة مشعة، نيّرة في سماء هذا الشرق المظلم الظالم. هذا الشرق المجرم بحق بنيه ومواطنيه وصانعي امجاده الغابرة، وبناة حضاراته الدهرية وثقافاته النورانية. هذا الشرق الذي طيلة قرون وعصور تنّكر وانكر ما حباه الله اياه من قيم ومبادىء وشرائع انسانية ووحي الهي. وتنكرايضاً لما جادت عليه الطبيعة من خيرات مادية ومالية، حولها، نتيجة غباوته وجهالته وجَهله وتقوقعه اسلحةً فتاكه يقتل بها اخوته وابناء قومه ويدَنّس حُرُمات معابده ومساجده وكنائسه ويهدم معالم تراثه واوابده، ويحرق مخطوطاتِه وكتَبه، ويهدمُ ثقافته ، لينعم الاعداء، اعداؤه هو، بالحرية والكرامة والرفاهية ورغد العيش. بينما ما زال، هو، يتكوى في أتون التخلف والتقهقر. متخبطاً في لجج المؤامرات والانقلابات والثورات الربيعيية والخريفيية المزيفة الزائفه معلناً خلافة جاهلية من هنا، وامارة تكفيرية من هناك.
من أجل دحر هذا الواقع المخزي الأليم،ومحوه، أردنا أن نثور، ان نثور على الظلم والاجرام، ونرفع الصوت عالياً ونقول للظالمين والمجرمين ولناكري الحق والحقوق المشروعة للشعوب المستضعفة من أي دين كانوا والى اية ملة انتموا كفاكم كذبا وخداعاً وتزويراً وتملقاً.
فالانسان المشرقي يهودياً كان أم مسيحياً أم مسلماً أم ملحداً، التانه الضائع في متاهات وزواريب مؤامراتكم القذرة ومصالحكم الانانية الضيقة وانكاراتكم الملعونة للحق والعدالة، يدعوكم اليوم وأبداً، الى “كلمة سواء” الى حضن الحب، واصالة المواطنة، ومنارات الحكمة والمعرفة الانسانية الالهية، لينعم هذا الشرق وابناؤه بالأمن والامان، والطمأنينة والعدالة والسلام.
ثم كانت كلمة د. طاسلاكيان قدم فيها لمحة تاريخية عن الإبادة الأرمنية فقال:
“منذ وصول القيصر التركي إلى الهضبة الأرمنية في القرن الثالث عشر وتأسيس السلطنة العثمانية وإرتداداته على الأرمن حتى نشوء الحرب العالمية الأولى وقرار اغتنام فرصة انشغال العالم وتنفيذ قرار الإبادة الجماعية بحيث حنّد الشباب الأرمن من ثم قتلوا بعد أن فصلوا من الجيش وكانت النتيجة مليون ونصف مليون ضحية، رغم لجوء الأرمن عندما اتيحت لهم الفرصة إلى الدفاع الذاتي ونجاة عشرات الألاف.”
تابع :”الخسائر كانت مادية لا تحصى، وخسائر في الإرث الحضاري الأرمني (مخطوطات، معالم أثرية، وخسارة ثمانين بالمئة من الأرض الأرمنية”.
أردف: “نطالب بدراسة موضوع الإبادة بين الأرمن والأتراك رغم تنقيح وإخفاء الوثائق المتعلقة بالإبادة الأرمنية والترويج لفكرة أن الوثائق التي بحوزتهم تثبت بأن لا أساس لها، فقد وجد الباحثون الالآف من الوثائق تثبت عدم صحة كلامهم، والقول أنها كانت الحرب، وفي الحرب وقعت ضحايا ومن بينهم أرمن واتراك، وكأنه بالدولة التركية تحاول المساواة بين من أراد الحرب وقرّر خوض غمارها ومن كان خاضعاً لدولة أرادت التخلص من أهلها بإبادتهم.”
وختم بالقول “انتقل الأرمن من المطالبة بالإعتراف إلى المطالبة بالتعويض، التعويض المعنوي بالإقرار بالذنب، التعويض المادي عن الخسائر المادية الهائلة التي تعرّض لها الأرمن بعد أن صودرت أملاكهم، والتعويض بإعادة الأرض إلأرمنية إلى أصحابها الشرعيين.”
واختتم المؤتمر بكلمة الخوري عبده أبو كسم جاء فيها:
“هذا المؤتمر لتنوير الرأي العام اللبناني على الإبادة بحق الشعب الارمني وما حصل في تلك الحقبة وما يحدث اليوم من اضطهاد للمسيحيين في الموصل وسوريا. فالشعب الذي لا ينسى تاريخه شعب لا يموت ولا يموت حقه، والواقع نقرأه بواقع الارمن بهذه الذكرى المئوية وكأن الحدث حدث أمس مطالبين بعناد وقوة بحق بمحاسبة وتعويض وهذا يدل على انهم شعب حي قوي عنيد ومقاوم .”
“نستذكر اليوم ما يحصل للمسيحيين، والسؤال هل هذا ما يحصل في هذا الشرق من إبادة وتنكيل يدعونا إلى الهجرة وترك أرضنا، تاريخنا، تراثنا ورسالتنا المسيحية التي انطلقت من هذا الشرق فنحن مؤتمنين على هذه الرسالة ، هو الذي قال:”من يريد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني، ولكن ثقوا أنا غلبت العالم” يسوع القائم من الموت يعطينا الرجاء يجعلنا نتشبث بأرضنا وبحقوقنا وأن نتوّحد وأن نكون يد واحدة وهدفنا واحد هو هدف البقاء ونشر رسالة المحبة والسلام والإنفتاح على الآخرين، نحن شعب لن يخاف ولا يستلم، والشهادة ليسوع المسيح شهادة المحبة والرجاء وأن نقدم رسالتنا على مذبح هذا الشرق.”
وختم بالقول “هذا المؤتمر ليس عنصري أو أي جماعة أخرى هو مؤتمر لينادي بالحق وإعادة الحق لأص
حابه، نحن في قرن الواحد والعشرين فمن غير المسموح سياسة قبائل، همجية ، سبايا واستيلاء على أملاك الآخرين.”
برنامج الإحتفالات
الاحتفالات والأنشطَةَ التي ستقوم بها لجنة بطريركية الأرمن الكاتوليك لاحياء الذكرى المئوية للابادة، تشمل:
1) اصدار مجلد، باللغة العربية، يحتوي شهادات مئات الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية، العالمية والعربية، تتمحورُ حول احداث الابادة التي تعرض لها الشعب الأرمني سنة 1915. وقد صدر هذا، المجلد عن مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان تحت عنوان مئةٌ…وتستمرُّ الابادة، وهو من تأليف الأستاذ ناجي نعمان.
2) إقامة احتفال اكاديمي على مدرج قصر اليونيسكو تحت رعاية مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، وذلك في 9 آذار 2015 عند السابعة مساء.
3) تحت رعاية وحضور قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس سيحتفل صاحب الغبطة نرسيس بدروس التاسع عشر كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك بالقداس الالهي في 12 نيسان 2015 في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
4) اصدار طوابع تذكارية من قبل دولة الفاتيكان بمناسبة مئوية الابادة .
5) هذا وان جمعية كهنة دير سيدة بزمار البطريركية، بالاشتراك مع اللجنة العليا الأرمنية في لبنان لاحياء ذكرى مئوية الابادة، قد نظمت بتاريخ 14 شباط 2015، في رحاب دير سيدة بزمار، لقاء علمياً تحت عنوان “ألابادة الأرمنية والأرشيف”.
6) اقامة نصب تذكاري تخليداً للصداقة اللبنانية الأرمنية على مفرق دوار جونيه-حريصا، وذلك، عرفاناً بالجميل للشعب اللبناني والسلطات اللبنانية التي استضافت الشعب الأرمني وساعدته في محنته،وعلى أمل أن يتابع الأرمنُ مع أشقَّائهم اللبنانيين طريقَ التقدم والتطور ليبقى لبنان، بسواعد ابنائه الأرمن وكلِّ مكوناته، منارةَ القيم الانسانية والوطنية ورسالةَ حوار وأخّوة في هذا الشرق.