أجيب: لا ونعم. وسأوضح لماذا.

لا

المسيحيون ليسوا نصارى. فالنصارى، تاريخيًا، هم أتباع هرطقة كانت تعترف بيسوع كخادم لله ولكن لم تكن تؤمن بأن يسوع هو "الكلمة المتجسد" وأنه "الله" و"ابن الله الحي". يأتي على ذكر النصارى للمرة الأولى أب الكنيسة أبيفانوس معتبرًا أنهم هراطقة. وفي أصلهم يقول أنهم يتحدرون من أصل يهودي.

الإنجيل الذي يربطون عقيدتهم به هو إنجيل منحول يعود إلى نحو العام  130 بعد المسيح (بحسب شهادة لـ بابيا) ويعرف باسم "إنجيل الناصريين" والذي هو، بحسب بعض البحّاثة "إنجيل اليهود". هذا الإنجيل كان يُستعمل أيضًا من قبل الهراطقة "الإبيونيين"، للأسف لا نعرف الكثير من مكنوناته لأنه مفقود وما نعرفه عن هذا الإنجيل المنحول يأتينا من شهادات آباء الكنيسة. ومن المعلومات التي نعرفها عنهم أنهم كانوا يقرون (بعكس كتاب أعمال الرسل ومجمع أورشليم) أن الإيمان ليس كافيًا للخلاص بل يجب عيش الشريعة اليهودية وتطبيقها، وأن المسيح ليس الله.

قبائل الناصريين كانت موجودة في الجزيرة العربية أيام نبي المسلمين محمد، وعليه فالكثير من "المسيحيين" الذين كانوا موجودين في الجزيرة، بالحقيقة لم يكونوا مستقيمي العقيدة، بل كانوا أقرب إلى اليهودية منه إلى المسيحية. لا بل يمكننا أن نقول أنهم لم يكونوا مسيحيين لأن محور الإيمان المسيحي هو الاعتراف بأن يسوع المسيح هو الله، واحد مع الآب في الجوهر.

كيف تبدل الاسم من ناصريين إلى نصارى؟

- الجواب يأتي من اللغة العربية عينها. فكل في العربية ينتهي آخره بألف مقصورة يدل على صفة فيها علة. هو جمع "سلبي". فنرى مريض يضحي مرضى، كسول يضحي كسالى، أحمق يضحي حمقى... وعليه، من هذا المنطلق كلمة نصارى هي تصغير للمسيحيين، للناصرين.

نَعَم

بعد ما قيل أعلاه، كيف لنا أن نقول أن كلمة نصارى تُطبق على المسيحيين؟ الجواب هو التالي:

يمكننا أن نطبق هذه الكلمة على المسيحيين، لا بالمعنيين السابقين (فبدعة الناصريين لم تعد موجودة علنًا). ونقول نصارى في إشارة إلى أننا أتباع يسوع الناصري.

إذا نظرنا إلى العهد الجديد نرى أنه يصف يسوع بـ "الناصري" 13 مرة. ما معنى هذه الإشارة؟

- أولاً، لأنه من مدينة الناصرة.

- ثانيًا، وهو السبب الأهم، لأن يسوع المسيح (الذي تلقى مسحة الآب) هو منذور إلى الآب. كلمة ناصري باليونانية (ναζωραῖος) تأتي من كلمة "نذير" التي تعني بالعربية "مكرس" أو "منذور" أو "مفصول للمقدسات". يسوع هو منذور ومنفصل لأنه قدوس الله، هو المنذور الذي مُسح وكُرس بالروح القدس. (ملاحظة كلمة قدوس، التي تشتق من كلمة "قادوش" اليهودية تعني نفس الشيء).

إذا أخذنا كلمة نصاري، أو نصراني، بهذا المعنى، فهي لا تنطبق علينا وحسب، بل هي عنوان فخر لنا أن نكون مفصولين ومكرسين لله الآب في يسوع المسيح ومثله.

أنا ناصري ونصراني، لا لأن إرهابي جاهل يفرض علي هذا الاسم باحتقار، بل لأني مسيحي، لأني تلميذ يسوع المسيح مخلصي وربي، وقد وُسمت باسمه وبحبه منذ العماد، وبنعمته سأحمل هذا الاسم حتى آخر نفس. فربي هو وطني، حياتي، خلاصي، فرحي ونصري...

ألهمّ هب إلى نُصرة جميع أبنائك المضطهدين فأنت حصننا ونصرنا ورجاؤنا الأوحد

فلنعترف بحقيقتنا

نفتخرُ كثيراً بما ليس لدينا من الشجاعة، والقوة، والجرأة..لا بل إننا لا نتوقف عن إطراءِ ذواتنا بما لا نملكهُ من الكرامة، والحكمة، وحتى الإيمان…نحنُ نَدَّعي فقط!!!ونتظاهر بغيرِ حقيقتِنا،وقد نخدع ذواتنا والآخرين،ونتغاضى النظر الى الحقيقة، لنعيش زيفنا الذي نعتبرهُ واقعاً…وحين تأتي اللحظة الحاسمة، تلك اللحظة التي لا مفرَ لنا فيها من اتخاذ القرارات، وتحديد الهدف والمسار، وتحمل مسؤولية أختيارِنا… حينها فقط تتجلى الحقيقة كنورِ الشمسِ ساطعة،وينكشف واقِعنا المُتناقِض مع قِصَصِنا ورواياتِنا وكل المسرحيات التي ألَّفناها عن ذواتنا….في تلك اللحظة الحقيقة، نقفُ مرتجفينَ خوفاً،مُمتلئينَ بعدمِ الثقة القاتل،موشكين على الإختناق، فأنفاسُنا بالكادِ تدخلُ صدورنا..في تلك اللحظة بالذات، نحنُ نُدرِكُ أننا لا نملكُ ما نستندُ عليه،لا أساسَ يُثَّبِتُنا، ولا دعائِمَ تسنُدُنا، ولا حتى مُتَّكأٌ نحتمي في ظلِّهِ…ليس لدينا أيَّ معرفة، أو خبرة، أو حتى مبدأ…ليس لدينا رِفقة، أو صُحبه، ولا حتى ضيفٌ صامت…فكيفَ، وبماذا، ومع من نبني قراراتنا؟وفي أيِّ مسارٍ نسيرُ، وبِصُحبةِ من؟وما هي خطواتُ البداية في هذا المسار، وكيف نخطو أول الخُطى؟؟نحنُ لا نعلم!!!لا نعلمُ شيئاً البتّة…وإن كُنّا نعلمُ شيئاً، فهو شيءٌ مختلفٌ تماماً، ألا وهو (ضُعفنا)!!!جهلنا، وفقر ارواحنا،عجزَ قلوبِنا، وظلامُ نفوسِنا،إنعدامُ العزيمةِ لدينا، وبؤسنا،فشلُنا في المحبة، و كذلك في الرحمة…نحنُ يا أبانا بارعونَ في (عدم الاعتراف) بحقيقتِنا..وبارعون ايضاً في (عدم القبول) بحقيقة الاخر!!!عدم احترامه، وفهمهِ، وقبولهِ، ومنحهِ فرصاً حقيقية…بارعونَ في تدمير هذا الاخر، وتدمير انسانيتنا معه…بارعون في هدم الجمال الذي فيه، والحب الذي يملأ قلبه، وبالمقابل نحنُ نهدم وجودنا في أعماقه…لذلكَ عندما تأتي لحظة الحقيقة،لحظة الحسم والقرار، نحنُ لا نمتلك جرأة إتخاذ هذا القرار لأننا نعلم يقيناً أننا ( فاشلونَ) لا محالة طالما لا خيرَ في اعماقِنا حقاً،ولا حب، ولا رحمة،….لذلك نحن نسألك كل ذلك، واكثر، يا أبانا الجميل، المتحنن، المتعطف..نحنُ نسألك ان تقودنا بالحكمة وقوة الايمانِ والنعمة في كل ايام حياتنا.