وسنحاول أن نركز على فكرة الزمن في الكتاب المقدس، ففي الفكر المسيحي يقسم الزمن إلى قسمين وهما الزمن العادي الذي نقضيه في ممارسة حياتنا اليومية كالدراسة والعمل. والزمن المقدس الذي هو الوقت الذي يعمل الله فيه في حياتنا مثل الصلاة وعمل الخير.
ومن خلال الآيات في الكتاب المقدس، نلاحظ أنه يبدأ ويختم وحي الله للبشر بإشارات زمنية. ففي العهد القديم يبدأ سفر التكوين بتحديد زمن ووقت البداية والخلق: “في البدء خلق الله السماوات والأرض” ( تكوين 1:1). وفي نهاية الإنجيل المقدس، في سفر الرؤيا يذكر نهاية الأزمنه والمجىء الثاني للسيد المسيح له المجد: “نعم إني آتٍ على عجل” (رؤيا 20:22 ).
في الزمن العادي حياة الإنسان على هذه الأرض محصورة ببداية ونهاية مكتوبه له، وكذلك الأنسان يعيش حياته على هذه الأرض سنين محددة كما يعلمنا الكتاب المقدس “ثلاثون وستون ومائة ورغدها إنما هو تعب ووجع”. لذلك على كل منا أن يراجع نفسه في بداية كل سنة جديدة ويضع برنامجاً للسنة الجديدة وأهداف معينة يعمل على تطبيقها.
يذكر سفر التكوين قصة بداية الخليقة عندما يشير إلى أن الله خَلَق السماء والأرض، والليل والنهار. وما سوف يحدث في الزمن هو تحقيق قصده الأزلي الذي ينظم كل الخليقة من أجل خير الإنسان.
الزمن باعتباره من صنع الله، يعطي الإطار للتاريخ البشري، الزمن ليس مجرد تعاقب لحظات متتالية، بل ُيدخلِنا الله فيه في علاقة معه ويقدس ويبارك الزمن ويعطي معنى لكل لحظة من لحظات حياتنا.
إن الله جل جلاله متسامي عن الزمن وخارجه وهذا ما يطلق عليه الأزلية والأبدية. ومن المعروف أن الإنسان يعيش مدة من الزمن محددة له، لكن الله يحيا في الأزل لأنه غير محدود بزمن أو وقت معين. والكلمة العبرية “عولَم” المترجمة لكلمات عربية مثل دهر، أزل، عالم، تشير إلى مدة تفوق القياس البشري حيث يحيا الله “إلى الأبد”، “في دهر الدهور”.
وسفر المزامير المقدس يوضح لنا طبيعة هذه المدة التي لا خبرة لنا بها، يقابلها بنقضيها أي الطابع المؤقت للزمن العادي الكوني: “إن ألف سنة في عينيك يا رب كيوم أمس العابر وكهجعةٍ من الليل” (مزمور 4:90)، والزمن البشري:”أيامي كظل مائل… وانت يارب ثابت إلى الأبد” (مزمور 120-13:12). ويؤكد النبي داود كاتب المزامير وينذهل أمام هذه الأزلية ويقول: “من الأزل وإلى الأبد أنت الله” (مزمور 2:90).
ويوفق الكتاب المقدس بين فكرة التسامي الإلهي ويؤكد تدخل الله في التاريخ. ولكنه يتدخل في الزمن البشري العادي من خلال علامات ومعجزات لكي يقود الإنسان إلى الخير والحياة الأبدية.
ويتدخل الله في التاريخ لكي يقدس ويبارك الزمن العادي، وهذه الفترة تسمى الزمن المقدس. أن الزمن الكوني البشري العادي، الذي يقاس في التقويم ليس أمراً دنيوياً محضاً بل فيه أزمنة مقدسة كزمن الميلاد والفصح وغيرها. كما أن هناك تاريخ الخلاص أي علاقة الله بالإنسان، والأحداث التاريخية التي أدت وساعدت في خلاص البشر: “لما بلغ ملء الزمان أرسل الله أبنه” (غلاطية 4:4،5). أي أن الطفل يسوع المسيح له المجد ولد من مريم العذراء.
ونحن نعيش في حياتنا اليومية في الزمن العادي ولكن يصبح زمن مقدس عندما نتوكل على الله ونضع كل ما نعمله بيده، التي تبارك وتقود كل خطواتنا. والعمل العادي يتحول إلى صلاة وعبادة وتقدمه محبة بالله، ومن أجل مجده تعالى.
إن التاريخ المقدس يشمل كل مصير شعب الله الذي يمتد بين آجلين متلازمين وهما البداية والنهاية، فهناك نهاية للزمن، لذلك علينا أن نعمل بحياتنا ونعيش وندرك بأننا لسنا خالدون على هذه الأرض.
وفي العهد القديم يسمي آخر الزمن “يوم الرب” أو يوم الدينونة (أشعيا 12:2)، وهو بمثابة إنذار، ولا نعرف بالتحديد الوقت الذي ستكون به نهاية العالم، فهو من أسرار الله، ويسمى “آخر الأيام” (أشعيا 2:2). والفترة التي تأتي بعدها تسمى السعادة والحياة الأبدية حيث يكون “سماوات جديدة وأرض جديدة” (أشعيا 65:17).
وفي السنة الجديدة على كل منا أن يستغل اللحظات من أجل زرع الفرح والأمل من خلال عمل الخير وتحويل حياته وحياة الآخرين إلى الأفضل. بغير الإعتماد فقط على البشر بل الإتكال على الله الذي هو رب الزمان، الذي لا نهاية له ولا بداية.
وفي الختام نطلب من الله تعالى أن تكون السنة الجديدة للجميع زمن مقدس نعيشه مع الله والإنسان بحب وسلام وفرح.