يسوع والصلاة (2)

يسوع المصلي

Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الجمعة 24 يوليو 2009 (Zenit.org). – يقال في القديس فرنسيس الأسيزي أنه في نهاية حياته “لم يعد يصلي، بل أضحى صلاة!”. إن ما ينطبق على بعض المتصوفين والقديسين بشكل تقريبي، ينطبق بشكل كامل على يسوع، المصلي الحق. فيسوع، لم يوص فقط بالصلاة، بل أعطى مثالاً حيًا، دائمًا وثابتًا للصلاة.

لقد كانت حياة يسوع متشربة بالصلاة وبالعيش في حضرة الآب لدرجة أن تلاميذه طلبوا إليه يومًا، بعد أن رأوا كيف كان يصلي، أن يعلمهم الصلاة: “يا رب، علمنا أن نصلي”. ماذا يقصد التلاميذ بهذا؟ أن نزعم بأننا نريد أن نعلم يهوديًا تقيًا الصلاة، هو كأن نزعم بأن نريد أن نعلم سمكة كيف تسبح، أو كائنًا حيًا كيف يتنفس. فاليهود الأتقياء، كما يشهد الكتاب المقدس والتقليد اليهودي يصلون سبع مرات في اليوم، وقبل وبعد كل عمل ولو قليل الأهمية. لدى نهوضهم من النوم، وعند ارتدائهم لثيابهم، ولدى تناولهم الطعام، وعند بدء العمل.

فما معنى قول التلاميذ: يا رب، علمنا أن نصلي؟

بكل تأكيد، لاحظ التلاميذ أن صلاة يسوع تختلف عن صلاتهم. وأن علاقته بالآب تختلف عن علاقتهم. من الواضح أنهم شعروا أن هناك نوع من الدالة والثقة البنوية (parresia) التي لم تكن موجودة في طريقة صلاتهم.

علمنا أن نصلي يعني: علمنا أن نصلي كما تصلي أنت!

وفي دنح يسوع، واعتلانه للخليقة عند نهر الأردن، عندما ذهب للاعتماد على يد يوحنا نقرأ: “وبينما كان يصلي…”.

وكذلك بعد العماد، قضى 40 يومًا في الصوم والصلاة قبل بدء رسالته التبشرية. ومن ثمّ قبيل اختيار التلاميذ، يقول لنا الإنجيل أنه قضى الليل كله في الصلاة.

نعرف أن يسوع كان يستيقظ باكرًا جدًا وكان يذهب إلى مكان قفر ليصلي. وأنه كان يقضي ليالٍ كاملة في الصلاة: “خرج يسوع إلى الجبل ليصلي: وأمضى الليل في الصلاة إلى الله” (لو 6، 12).

وكانت الصلاة ذات أهمية خاصة بالنسبة له، لذا كان يختار بإمعان وانتباه المكان المناسب لها، والوقت المناسب متحررًا من الانشغالات: “صعد إلى الجبل ليصلي” (مر 6، 46).

“أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد إلى الجبل ليصلي” (لو 9، 28).

“في الغداة قبل الصبح، قام يسوع وخرج إلى مكان قفر وكان هناك يصلي” (مر 1، 35).

الأمانة المرة

وقد يظن البعض: إن صلاة يسوع كانت سهلة، ولذا كان يلذ له أن يقضي الوقت في الصلاة. ولكن هذا الاعتراض، سرعان ما يضمحل إذا ما تأملنا بحدث صلاة يسوع في بستان الزيتون – التي ليست خبرة الصلاة الصعبة الوحيدة التي يعيشها يسوع!

يعترف يسوع لتلاميذه: “نفسي حزينة حتى الموت”، يشعر يسوع بكآبة كبيرة، ولكن علاقته بالآب تتخطى وتتجاوز جفاف المشاعر، فنراه “يتقدم قليلاً ويسقط على وجهه ويصلي”.

ويعود إلى التلاميذ فيجدهم نيامًا، “فيعود أيضًا ويصلي… ويصلي ثالثة” (مت 26، 42 – 44).

صلاة الجتسمانية كانت صلاة جهاد وثبات في وجه ريح الجفاف والتجربة والكآبة، لدرجة أن يسوع يعرق – لا عرقًا باردًا – بل دمًا!

في عمق هذا الجفاف والشعور بغياب الله وبالضياع، يصلي يسوع: “يا أبتاه، إن شئت أبعد عني هذه الكأس”، ثم يضيف: “ولكن لا إرادتي بل إرادتك”.

وعليه فإن صلاة يسوع هي تعبير عن اتحاده بالآب، عن أمانته له، في الخبرات الجميلة (راجع تهلل يسوع في مت 11؛ وشكر يسوع للآب لدى إقامته لالعازر) وفي الخبرات الحزينة، التي على رأسها خبرة الموت: فيسوع يصلي وهو معلق على الصليب. يصلي لأجل الآخرين، وهو في أسى وألم ووحشة: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون” (لو 23، 34)

ولدى شعوره بأن الآب تخلى عنه (إلهي، إلهي، لم تركتني) يستسلم في يدي الآب: يا أبتاه في يديك أستودع روحي، معبرًا عن إيمانًا وثقة يتجاوزان كل الشكوك، وهذه الصلاة، ما هي إلا تكلملة المزمور 22 الذي يتلوه الإسرائيلي المتدين في الأوقات العسيرة.

إن عيش يسوع للصلاة هو شاهد على أهميتها وضرورتها، وحافز إلى عيشها.

فلنسمع لنداء الرب: “من دوني لا تستطيعون شيئًا” لذا “صلوا ولا تملوا!”

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير