–
موارنة قبرص: صلابة إيمان، أبواب الجحيم لم تقو عليه
بكركي، الخميس 23 فبراير 2012 (ZENIT.org). – قواسم مشتركة جمعت بين تاريخي جماعة تحدّت الجبال الوعرة وطوّعتها، ففاح منها عطر بخور فريد وسكنت الوديان الساحقة، فحوّلتها سهولاً أنبتت قدّيسين. إن الإضطهاد والتنكيل، القتل والتهجير كانوا من نصيب هاتين الجماعتين اللتين آثرتا الدفاع عن كيان المسيحيّة والسعي لإعادة وحدة الكنيسة على الدّقة اللاّهوتية. إنهم الموارنة، موارنة لبنان وموارنة قبرص، هذا المذهب المسيحيّ الذي كتب التاريخ عنه أنه نشأ في القرن الرابع في وادي العاصي في بلاد حمص وحماه وأن نسبته إلى مار مارون أحد أولياء هذا القرن.
قبرص والمسيحيّة
إنتشرت الديانة المسيحيّة في قبرص مع تبشير بولس الرسول، وردّه حاكم بافوس الروماني سرجيوس بولس إلى الإيمان. فتكنّى بإسمه متخلياً عن إسم شاوول ( أعمال الرسل 13: 4 -13 ). وكان برنابا رفيق بولس قبرصي الأصل أيضاً. وفي سنة 51 بعد المسيح عاد برنابا الرسول إلى جزيرة قبرص ليبشّر بالمسيح وهناك استشهد. ويعتبره القبارصة رسول جزيرتهم وهم يحتفلون بعيده في الجزيرة كلّها. وفي العام 115 ميلادياً قدمت الجزيرة نحو 240 ألفاً من الشهداء والقديسيّن القبارصة أثناء الإضطهادات التي حدثت من قبل اليهود.
إستقلال ديني يفرضه القديس برنابا
كانت جزيرة قبرص تابعة للبطريركية الإنطاكية، وكان بطريرك إنطاكيا يعيّن رئيس أساقفة الجزيرة. ولكنّ الإكليروس القبرصي جاهد للحصول على استقلاله الإداري الديني بحيث لا يتعلق ببطريرك إنطاكيا، بل ينتخب هو رأساً رئيس أساقفة. وبعد محاولات عدّة لبطاركة إنطاكيا بإستعادة سلطانهم على الجزيرة، كادت قبرص أن تخسر استقلالها الديني لو لم يتراءى القديس برنابا لرئيس أساقفة سلامينا أنتيموس، وفيها أرشده إلى مكان قبره. وفي اليوم التالي توجّه إلى القبر يرافقه الإكليروس والشعب وحفر تحت شجرة خرّوب فوجد جثمان القديس برنابا وعلى صدره نسخة من إنجيل القديس متى كان نسخها بيده. فأسرع رئيس الأساقفة إلى القسطنطنية وقدّم للأمبراطور هذه الذخائر المقدّسة فقبلها بسرور وأمر بحفظ الإنجيل في قصره الإمبراطوري. واتّخذ رئيس أساقفتها من الذخائر التي اكتشفها دليلاً لإستقلال الجزيرة في أمورها الدينيّة، لأنها لا ترجع بتأسيسها إلى بطاركة إنطاكية بل إلى الرسل رأساً وقد أقّر له الأساقفة المجتمعون بهذه الحقوق، وأثبتها الأمبراطور زينون، مخولاً رئيس أساقفة سلامينا سيامة أساقفة الجزيرة وعقد المجامع. وسمح له أن يرتدي الحرير والأرجوان وأن يحمل الصولجان بدلاً من العصا وأن يوقّع إمضاءه بالشمع الأحمر وأن يلقّب بصاحب الغبطة. وبنى المسيحيون بالقرب من القبر ديراً على إسم القديس برنابا. وظلّت كنيسة قبرص تتمتّع باستقلالها الكامل في إدارتها الداخلية عن سلطة أي بطريرك.
تاريخ مكتوب بالدماء
لم تسلم قبرص من جشع الطامعين. فهاجمها العرب منذ سنة 632 م. بدءا بالخليفة أبوبكر مروراً بهارون الرشيد وارتكبوا ما ارتكبوه من مجازر، فقتلوا العديد من أبنائها وهدّموا كنائسها. ولم تعرف الجزيرة السلام والهدوء مع كل الذين تعاقبوا على السيطرة عليها من:البيزنطيين الذين نزعوا منها استقلالها الديني وربطوها مباشرة ببطريرك بيزنطية. إلى الّلاتين الذين مارسوا بعضا من انواع العذاب والاذلال في محاولاتهم المتكررة لإقناع أساقفة الأروام بان يصيروا لاتيناً. وصولا الى الاتراك الذين اغرقوها في بحر من الدماء. فقتلوا أساقفتها وحولوا الكنائس الى جوامع ومزارب خيل. و تضاعف تنكيل الاتراك مع خوفهم من أن يساعد أهل الجزيرة بلاد اليونان في الثورة التي شنّوها ضد الدولة العثمانية. وعندها اصدرت الأوامر في العام 1821 بجمع كل اساقفة الجزيرة وأعيانها في لوكوزيان وإقفال الباب عليهم ومن ثم ذبحهم جميعاً. اما الإنكليز فلم يكونوا أكثر عفة. وبعد استيلائهم على الجزيرة، اعلنوها في العام 1925 مستعمرة إنكليزية في وقت كان يطالب فيه أروام الجزيرة ضمها إلى اليونان. ولما لم يتحقق لهم ما ارادوه عبر مجلس الامن لجأ الاروام الى مقاومة الإنكليز على طريقتهم وألفوا جمعية مقاومة عرفت ب ايوكا” لتناوئ الحكومة الإنكليزية.
باختصار شديد أوجزنا لمحة مقتضبة عن ما عاناه مسيحيو هذه الجزيرة منذ نشأتهم. واليوم لا يزال قسم منهم وتحديداً الموارنة يدفعون الثمن باهظاً. فمن قراهم التي كانت تقدر ب60 قرية مارونية لم يبق سوى أربع في الجزء الشمالي التركي للجزيرة ومن عددهم الذي كان يفوق ال80 الف نسمة لم يبق إلا نحو 4 آلاف وخمسمائة.
موارنة قبرص
من الأرض الممتدة على مساحة 3570 ميلا مربعا إختار الموارنة الكهوف والجبال الوعرة والوديان السحيقة وجعلوا منه مساكن لهم. فاتخذوا من جبال كيرينا قبالة تركيا في الجهة الشمالية ملجأ لهم لمناعتها ولرد غارات الأتراك عنهم.
و يرجح الكاتب بلمياري أن هجرة الموارنة إلى جزيرة قبرص بدأت في الجيل الثامن وازداد عددهم بسبب الإضطهاد بعد الفتح العربي في سوريا فوجدوا في قبرص الملجأ الأمين. واشتدّت هجرة الموارنة غلى قبرص بعد الخراب الذي ألحقه العرب بدير ما مارون على ضفاف العاصي في النصف الأول من الجيل العاشر، وهو أعظم دير للموارنة وكان يرأس جميع أديار الموارنة في سوريا وكان بطركهم يتخذ منه مقراً لإقامته وكان يضمّ ثمانمئة راهب هاجر قسم منهم إلى الجبال الّلبنانية الوعرة ليحتموا فيها وتوّجه القسم الآخر إلى قبرص وبنوا هناك دير مار يوحنا كوزباند وهو اليوم يسمى بدير مار يوحنا كريزوستموس.
حتى اليوم لا ت
وجد أية آثار تاريخية عن الحياة المارونية في قبرص ولكن المؤكد أن الموارنة ألفوا جالية مستقلة عن سكان الجزيرة وشيدوا لها الكنائس المارونية وكانوا يخضعون في نظام حياتهم الدينية للبطريرك الماروني في لبنان لا لرئيس أساقفة قبرص الرومي وكان هو من يسمي رؤساو الدير هناك.
وازداد عدد الموارنة النازحين إلى قبرص ومع اعتلاء أول ملك على قبرص غي دو لوزنيان العرش في 1192 هاجر إليها عدد كبير من الأرمن والأقباط والموارنة ومنحهم الملك عدة أحياء في نيقوسيا حيث بنوا مساكنهم وكنائسهم. ومنح الموارنة امتيازات عدة ومع ازدياد إضطهاد الموارنة في لبنان وسوريا هاجر قسم كبير منهم إلى جزيرة قبرص وبخاصة في الجهة الشمالية منها حتى أن بلدات قبرصية كثيرة تحمل اسم بلدات لبنانية كبلدة كورماجيت التي يقول أبناؤها أن اصلهم من بلدة كور الجندي في بلاد البترون . واعتبر الموارنة ثاني أكبر جالية بعد الروم في الجزيرة. ولكن مع استيلاء الأتراك على الجزيرة في العام 1571 بدأ عددهم ينقص بسبب ظلم الحكّام و اضطهاد الإكليروس اللاتيني واليوناني.ففرضوا الضرائب الفادحة وعاد الكثير من الناس إلى سوريا وآسيا الصغرى لينجوا من الظلم. حتّى أن مطران نيكوزيا اللاتيني وضع يده على كنيسة مار يوحنا المارونية في نيكوزيا وعلى كل أوقافها وبعد طلب البطريرك شمعون الحدثي إلى البابا لاون العاشر سنة 1541 التدخل لتصحيح الوضع أمر البابا المطران المذكور بأمر الطاعة المقدسة إعادة الدير والاوقاف الى البطريرك شمعون الحدثي.
موارنة قبرص في عهد الأتراك
بعد استيلاء الأتراك على الممالك الإسلامية العربية قاموا بمحاولات عدّة للإستيلاء على قبرص منذ العام 1527 إلى أن تمكنوا من ذلك عام 1570 فحاصروا الماغوصة اي فماغوستا وسبوا نحو مئة وثمانين الفا من النصارى وقتلوا من الموارنة نحو ثمانية عشر الفا. وكان استعصى منهم نحو اثنا عشر الف جندي في ضيعة تدعى كاليسباسي على راس الجبل فحلف لهم الأتراك انهم اذا سلموا نفسهم لن يؤذونهم وعندما سلموا نفسهم قتلوا جميعاً. حول الأتراك الكنائس إلى جوامع وخانات وباعوا ألأوقاف واستعبدوا السكان. وبدأ الإضطهاد التركي للموارنة الذين كانوا يعتبرونهم حلفاء الفرنج ومساعديهم. وفي خلال 25 عاما (1571-1596) تلاشت اربع عشرة قرية مارونية بفعل القتل والتنكيل.
اللينوبامباشي
اللينوبامباشي هم الموارنة الذين اعتنقوا الدين الإسلامي. فبعد ان اشتكاهم اروام الجزيرة إلى الباب العالي بانهم يعملون على إعادة البنادقة إلى حكم قبرص، صبّ الأتراك جام غضبهم على الموارنة وقتلوا الكثيرين منهم ونفوا وسجنوا كثيرين وارغم بعضهم على اعتناق الدين الأورثوذكسي الرومي وانتقل عدد وافر منهم إلى الإسلام ظاهرياً ولكنهم لم يتركوا الديانة المسيحية ولم يتخلوا عن سري العماد والتثبيت وحافظوا على الختان الإسلامي ولهذا لقبوا بالينوبامباشي اي انهم مسلمون ومسيحيون في آن واحد.وأكثرهم في بلدة لوروجينا.
ومن العوامل التي ساهمت ولو بشكل غير مباشر بتقلص عدد الموارنة في قبرص هو إضافة غلى الظلم والإضطهاد من الأتراك والأروام ، عدم زيارة مطارين قبرص الموارنة لموارنة الجزيرة. فلقد ظلّوا 161سنة من العام 1687-1848 منقطعين عن زيارة موارنة الجزيرة وبذلك أصيح هؤلاء من دون أي عضد أو سند.
أربع قرى مارونية
من القرى المارونية ال60 في العام 1224 التي كانت تعج باهلها، لم يبق بعد دخول الإنكليز للجزيرة في العام 1878 سوى أربع قرى فقط هي: كورماجيت، أسوماتوس، قرباشا وآيا مارينا المجاورة لدير مار الياس المطوشي. وعن هذه القرى الأربع الواقعة تحت الحكم التركي يقول راعي أبرشية قبرص للموارنة المطران يوسف سويف أنها تمثل الارتباط الوثيق للموارنة بارضهم، مبديا إعجابه بتشبت هذه الجماعة وانتمائها الصلب بأرض الاجداد . وعلى الرغم من هجرة سكان هذه القرى الى جنوبي قبرص إلا انهم ولاعتبارات معينة بحسب ما اوضح السفير القبرصي في لبنان هومر مافروماتيس “سمحت لهم الدولة التركية الدخول والخروج الى قراهم ساعة يشاؤن بعكس القبارصة اليونان الذين اتيحت امامهم هذه الفرصة في العام 2003 ولم تتكرر حتى الساعة.” ويلمح السفير القبرصي الى ان “هذا التسهيل للموارنة قد يكون سببه ارتباطهم المباشر بالكنيسة المارونية في لبنان” مشيرا ألى اهمية زيارة غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى قبرص وتأثيرها على الرعية المارونية التي سيزورها ليؤكد الدعم لها. ويشير السفير القبرصي الى ان عدد سكان القرى الاربع يبلغ نحو 500 نسمة بينهم 200 ماروني تقدمت غالبيتهم في السن، معلنا انه وفق عدة استفتاءات رسمية قررت الاقلية من سكان قبرص الشمالية من ارمن وموارنة ولاتين كاثوليك البقاء في كنف قبرص اليونانية حيث يمارسون حقوقهم وواجباتهم كمواطنين مضيفا ان للموارنة ممثلا عنهم في البرلمان القبرصي كذلك للبقية من الاقليات. وعن ميزات هذه الزيارة يقول مافروماتيس انها “هامة جدا بنظر جميع القبارصة وليس الموارنة فقط. غبطته يقوم بهذه الزيارة قبل مضي عام على تسلمه الكرسي البطريركي وهذا له دلالة كبيرة في نفوسنا جميعاً ومن دون استثناء، بدءا من رئيس الجمهورية الذي سيلتقيه في أكثر من مناسبة في خلال هده الزيارة كذلك رئيس الكنيسة الأرثوذكسية كريزوستموس الثاني وعدد من الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها نظرا للتقدير العميق لهذه الزيارة ولشخص غبطة البطريرك”. وختم “قبرص فرحة وتفرح دائما باستقبال من تربطهم علاقة تاريخية بها
لافتا الى زيارة البابا بنديكتوس التي مدت اهل هذه الجزيرة المتوسطية بالمزيد من الإيمان، وضرورة العمل دائما لتثبيت العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين تماما كما هو الامر في لبنان”.
ويصف المطران يوسف سويف هذه “القرى المارونية بجهات الصليب الأربع لانها تشهد لهذا الصليب الذي حمله الموارنة منذ نشاتهم في سوريا وهو يبقى حتى الساعة الصليب الظافر بالنسبة الينا جميعا لافتا الى ان هذه القرى التي تروي تاريخ جهاد وتضحيات هي نوع من الحماية وارتباط دائم بالتراث للحفاظ على الهوية”. ويضيف “ان زيارة غبطة البطريرك الى هذه البقعة من الارض لها اهميتها وارتباطها المتين بحاضر الموارنة. وحضور غبطة البطريرك الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق مع ما يمثله من ارث وتاريخ على مستوى لبنان والعالم له قيمته الخاصة وستكون زيارته محط انظار لكل موارنة العالم للتعرف الى تاريخ هذه الجزيرة ثاني اكبر جزيرة متوسطية وجهادها وعطاءاتها. وختم سويف ” وانا كراعي لهذه الابرشية افتخر بزيارة ابينا صاحب الغبطة لابرشيتي وخلقه لهذه المناخات الجميلة التي تظهر تاريخ الموارنة موضحا انه على الرغم من هجرة سكان هذه القرى الا انه يحتفل فيها بالقداديس في المناسبات وايام الآحاد فياتي ابناؤها ويصلوا في كنائسها ليعودوا بعدها الى مقر اقامتهم وشرح المطران سويف ان المذهل في الامر ان ابناء هذه المنطقة لم يتخلوا عن شبر من الارض وان موارنة الجزيرة بشكل عام ازدادت اراضيهم واملاكهم لتعلقهم بالا رض لنها تمثل تاريخهم وارض اجدادهم .”
المدن القبرصية والموارنة
نيكوزيا
إنها العاصمة استوطنها الموارنة وبنوا فيها كنيسة القديس مار يوحنا التي استولى عليها الأتراك ولا تزال معهم حتّى اليوم. وهي مميزة بهندستها المارونية من حيث القناطر وخلوها من القبب اليونانية. وفي نيكوزيا أيضاً مدرسة لراهبات مار يوسف الظهور .
قرباشا
ضيعة مارونية صرفة قريبة من أسوماتيس وهي أصغر القرى المارونية وكنيستها على اسم الصليب المقدس وهي قديمة جداً.
أسوماتوس
تقع في السهل القائم وسط الجزيرة وتبعد عن العاصمة 20 دقيقة.يقال أن اسمها مشتق من كلمة شامات في بلاد جبيل . كنيستها على اسم الملاك ميخائيل .
كورماجيتي
وهي عاصمة الموارنة في الجزيرة وقيل ان سكانها الأولين من كور الجندي في بلاد البترون وكانوا يرددون عبارة نحنا جينا وكور ما جات فدعيت بلدتهم كورماجيتي وفيها أربع كنائس : مار جرجس القديمة، ومار جرجس الجديدة مار جرجس البحروكنيسة السيدة وهي من أقدم الكنائس في كورماجيتي وكانت جدرانها الداخلية مصورة إلا إنها طليت بالكلس فاختفت الصور. غزاها الأتراك في العام 1534 فنهبوا كنائسها وأحرقوا بيوتها. ومن العادات المارونية لبلدة كورماجيتي أنه في العرس وقبل ان يذهب العريس إلى الكنيسة يدعو الكاهن إلى بيته ليبارك ثياب العروس التي يكون العريس قد اشتراها لها كما يبارك ثياب العريس. ثم يحلق له الخوري رأسه بالموس وبشكل صليب. وفي عشية يوم الزواج يدعو أهل العروس الكاهن ليتناول عندهم العشاء ويدعوه أهل العريس صباح يوم العرس ليتناول عندهم الفطور.
آيا مارينا
تحمل هذه القرية المارونية اسم القديسة مارينا راهبة دير قنوبين ما يدل صراحة على ان سكانها الاولين قدموا من وادي قنوبين. وهي تقع في لحف جبل في آخر السهل الممتد من نيكوزيا إلى الغرب. وكانت كل القرى المجاورة لها مارونية إلاّ أنها أصيحت اليوم خراباً بفعل الاضطهاد والقتل الذي لاقاه الموارنة هناك.
وقد أسلم عدد من أبنائها بسبب الإضطهاد . وفيها كنيسة صغيرة على اسم القديسة مارينا.
لارنكا
وهي مدينة بحرية في جنوبي الجزيرة كان لها شان كبير في التجارة وفيها جالية مارونية صغيرة اليوم بنيت كنيستها على إسم مار يوسف .
ليماسول
وهي كناية عن مرفأ في جنوبي الجزيرة ومدينة جميلة تظللها الاشجار الوارفة. وفي سنة 1583 إستولى الاتراك على قلعتها وقتلوا الكثيرين من موارنتها ونهبوا بيوتهم. وكانت أكبر قاعدة حربية للإنكليز.
فماغوستا
أي الماغوصة وهي مرفأ جنوب شرق الجزيرة . لها سور عظيم بناه الصليبيون وأقاموا فيها العديد من الكنائس حتى قيل أن عددها بلغ ايام السنة. في وسط المدينة الكاتدرائية العظمى آيا صوفيا وهي اليوم جامع. هندستها غوطية. وكانت من أغنى المدن. ومما قيل عنها في هذا الشان ان احد تجارها باع سلطان مصر تفاحة من ذهب مطعمة باربعة حجارة كريمة ليضعها في صولجانه. وجاء على لسان القديسة بريجيتا مايلي:
“ستزولين يا عامورة الجديدة يقول الروح ستزولين محروقة بنار الزنى وبما زاد من غناك وجشعك. ستسقط بناياتك ويهرب سكانك ويتحدثون عن عقابك في الأنحاء البعيدة . لأني غضبان عليك. تحقق كلام القديسة بريجيتا حرفا بحرف لما استولى عليها الاتراك فحرقوا كنائسها وحولوها إلى جوامع وعاثوا فيها فسادا ونكلوا بسكانها.
أما أبرز المزارات المارونية القديمة في قبرص:
مزار سيدة ماركين وتبعد هذه القرية قليلا عن أسوماتيس. وكانت مارونية صرفة في الماضي ويؤمها عموم موارنة كورماجيت، اسوماتيس، ايا مارينا وكرباشا ونيكوزيا في الثامن من ايلول عيد ولادة العذراء مريم.
مزار سيدة كامبيلي
كانت مارونية صرفة ولكن جور الحكام جعل سكانها يهاجرون وبيعت معصرتها للمسلمين في العام 1942 وبقيت كنيستها على اسم السيدة . وفي هذه القرية خط كتاب القداس للعلامة ابراهيم الحاقلي سنة 1535.
مار أنطونيوس
تقع قرية كيترايا في لحف جبل كيرينا لجهة الجنوب الشرقي حيث كان
العديد من القرى المارونية. وفي رأس القرية نبع فوار اشبه بفوار انطلياس ويعطي القرية لونا من القرى اللبنانية القائمة بقرب الينابيع.وبالقرب من النبع شيدت كنيسة على اسم القديس أنطونيوس الكبير.
مار رومانوس فونو
لم يبق منها إلا مزار القديس رومانوس شفيعها. وفيها صورة إنزال المسيح عن الصليب وهي رائعة حاول الإنكليز أخذها ولكن وكيل الكنيسة انذاك منعهم. وكانت هذه القرية غنية بالأملاك إلاَ أنَ موارنتها الذين كانوا يهربون منها كانوا يهبون أرضهم للوقف ولكن الوقف باع الأرض ولم يبق من هذه القرية ماروني واحد.
مار يوحنا كوزباند
هو أشهر أديار الموارنة في قبرص وأقدمها. ويعتقد انها تعود إلى الجيل الحادي عشر. ويظهر أن الأروام بعد أن استولوا عليها أبوا أن يقيموا فيها احتفالاتهم الدينية لأنها مختلفة الهندسة فبنوا بالقرب منها كنيسة صغيرة بهندسة يونانية محضة. وإلى جنوبي الكنيسة يقع الدير وكان على إسم مار يوحنا فم الذهب. وهو كناية عن طابقين وكله قناطر مارونية الهندسة وهو يشبه دير سيدة ميفوق بموقعه وهندسته وقد تشيد في الجيل العاشر ولكن الروام استولوا عليه ايضاص.
دير مار يوحنا فلوذي
كانت فلوذي قرية مارونية قريبة من آيا مارينا ومن قرية المطوشي. وكان فيها سبع كنائس ودير مار يوحنا . خربت كلها ولا يزال فيها ثلاثة أجران للمعمودية.
دير مار الياس المطوشي
كانت المطوشي من أهم القرى المارونية وهي خلف قرية آيا مارينا. خرج منها عدد غفير من الكهنة والرهبان والعلماء ولم يبق فيها اليوم سوى الدير ومعظم املاكها تابعة له ويحرثها المسلمون. لقد تأسس في العام 1740 وتم تجديده في العام 1943 وهو تابع للرهبانية اللبنانية المارونية.
مطارنة قبرص
كان لقبرص مطران خاص يقيم فيها. ولكن مع غزو الأتراك للجزيرة وبسبب ما لحقهم من اضطهاد وظلم أخذ المطارنة يقيمون في لبنان ويزورون الجزيرة مرة بعد اخرى . وكرس لهم المجمع اللبناني المعقود سنة1736 اذ عين لمطران قبرص قسما من المتن بكفيا وبيت شباب ومزارعهما ثم باقي قرى المتن إلى جسر بيروت يضاف إلى جزيرة قبرص ومن أشهر مطارنة قبرص البطريرك إسطفانوس الدويهي 1668-1670 ولد في إهدن في 2 آب 1630أرسله البطريرك جرجس عميرة إلى روميه سنة 1641 حيث فقد بصره لكثرة الدرس. ولما عزم الرئيس على إرجاعه إلى لبنان نزل إلى الكنيسة وركع أمام أيقونة العذراء مبتهلاً اليها لتعيد إليه نظره ونذر إليها نذراً. وفي الحال رجع نظره إليه. وبعد انتهاء دروسه ظل يطوف في مكتبة روميه بحثاً عن كل ما فيه ذكر للموارنة وكان ينسخ كل ما عثر عليه. عاد إلى لبنان عام 1655 ورقاه البطريرك يوحنا الصفراوي إلى درجة الكهنوت ليعلم الاولاد في إهدن . سافر إلى حلب سنة 1663 وعمل جاهدا لمدة ست سنوات لإرتداد المنفصلين عن الكنيسة. من ثم أقامه البطريرك مطرانا على قبرص فزار كل رعاياها المارونية قرية فقرية و في العام 1670انتخبه المطارين ورؤساء الأديرة واعيان الشعب الماروني بطريركا .
تاريخ جهادي مفعم بالإيمان
في أيام رئاسة المطران نعمةالله سلوان عام 1900 جرت في قبرص محاولات فاشلة لنقل بعض الموارنة من لارنكا ونيكوزيا من المارونية إلى اللاتينية. فتالفت في لارنكا جمعية اوهمت بعض الموارنة انها تجمع المساعدات وطلبت تواقيعهم على العريضة المكتوبة باليونانية فوقع بعضهم عليها دون أن يفهموا معناها وكان موضوعها طلبا مرفوعا إلى الكرسي الرسولي للسماح لهم بالانتقال من الطقس الماروني إلى اللاتيني بحجة أن رؤساءهم يهملونهم وان بعضهم اعتنق الإسلام دينا والبعض انشق عن الكنيسة. عرف الإكليروس الماروني بالأمر فرفع كتابا الى البطريرك الياس الحويك الذي أرسل الى قبرص موفدين من قبله للتحقق من الأمر وإجراء فحص قانوني على ما جاء في العريضة اللارنكية. وبقي المعتمدان 27 يوما في قبرص جالوا في خلالها على كل الرعايا وتأكدوا من عدم قانونية العريضة فرفعا كتابا الى البطريرك الذي رفع بدوره كتابا الى الكرسي الرسولي فند فيه ادعاءات العريضة واخطاءها التاريخية. ودعم كتابه بعريضة من موارنة قبرص رفعوها الى غبطته للتأكيد على انهم يريدون ان يحيوا ويموتوا موارنة وكان لهذا التقرير مفعوله فظل موارنة قبرص موارنة خاضعين لمطرانهم وبطركهم في لبنان.
وعلى الرغم من نيلها استقلالها عن الإنكليز في السادس عشر من شهر آب من العام 1960 الا ان قبرص تعرضت لهجوم الجيش التركي في حزيران من العام 1974 الذي احتلّ القسم الأكبر منها ومعظم القرى الرومانية واقعة تحت سيطرته حتى الساعة.